في يوم الثلاثاء، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطة جديدة غريبة «لتعزيز الديمقراطية»: لأن سكان إسطنبول قد صوتوا للحزب الخطأ في السلطة، فإن المدينة بصدد إجراء انتخابات جديدة. وبعد أن زعم حدوث تزوير ومخالفات، حدد «حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه أردوغان الشهر المقبل لإعادة الانتخابات البلدية في المدينة، والتي خسرها الحزب لصالح ائتلاف أحزاب المعارضة. إنه موقف لا يمكن الدفاع عنه بالنسبة لحزب أردوغان الذي يعتمد على الدعم المستمد من السيطرة على الحكومات المحلية.
لكن الانتخابات الجديدة في إسطنبول يصعب الدفاع عنها في معظم أنحاء البلاد، التي شهدت احتجاجات بها بعد الإعلان عن إعادة الانتخابات، والكثير من الأتراك الذين لم ينتقدوا أردوغان من قبل (وضمنهم كثير من المشاهير) يأخذون جانب المعارضة. كما عارض عبد الله جول، الرئيس السابق لتركيا والمؤسس المشارك لحزب أردوغان، قرار إعادة الانتخابات. وذكرت وسائل الإعلام التركية أن جول، ومعه وزير المالية السابق «علي باباجان» يخططان للانفصال عن أردوغان وتشكيل حزب جديد. وكانت هناك انتقادات دولية قوية للقرار، مع الإدانة من جانب العديد من وزراء الخارجية الأوروبيين ومسؤولي الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك، كانت إدارة ترامب الغائب عن هذه المجموعة حتى الآن. يقول «إلهان تانير»، المحرر التنفيذي لموقع الأخبار التركي «أهفال»، إن صمت واشنطن يجعلها تبدو كما لو كانت «تريد بقاء أردوغان في السلطة إلى الأبد». وأضاف: «هذا هو الوقت المناسب لإدارة ترامب للإدلاء ببيان قوي».
قد يعكس رد الفعل البطيء من جانب واشنطن الحاجة لتوجيه الاهتمام نحو مكان آخر. ومنذ ديسمبر الماضي، عندما أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من سوريا بعد محادثة هاتفية مع أردوغان، ركز الدبلوماسيون والجنرالات الأميركيون على حمل أردوغان على التعهد بعدم مهاجمة الأكراد السوريين، الذين يعدون حليفاً أساسياً للولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم «داعش». وحتى يومنا هذا لم يقدم أردوغان مثل هذا التعهد. وفي الوقت نفسه، يشارك البنتاجون في حملة غير ناجحة حتى الآن لإقناع تركيا بعدم المضي قدماً في شراء نظام دفاع جوي روسي. لكن رغم أنه قد يكون من المفهوم أن الانتخابات المحلية لن تكون على رأس جدول أعمال الولايات المتحدة مع تركيا، فإنها لا يمكن تبريرها.
ويوجد حالياً دعم واسع النطاق داخل تركيا للتحقق من وسائل أردوغان لتوطيد سلطته. ويعد التأييد الأميركي للأتراك الذين يعارضون الحيلة الانتخابية لـ«حزب العدالة والتنمية» رهاناً ذكياً: إن هذا لن يحافظ على المصداقية مع الحكومة التي تأتي بعد أردوغان فحسب، ولكنه أيضاً سيضعف رئيساً أصبح حليفاً لا يمكن الاعتماد عليه.
خلال سنوات أوباما، سمح أردوغان لـ«داعش» باستخدام الأراضي التركية لإنشاء قنوات لنقل المجندين من أوروبا إلى مناطق سيطرته. وكما فعلت إيران، حاول أردوغان انتزاع تنازلات من الغرب عن طريق أخذ الرهائن. كما غازل روسيا من خلال شراء نظام للدفاع الجوي لا يتوافق مع أسلحة «الناتو». وما يزال يماطل في التعهد بعدم ذبح الأكراد الذين ساعدوا على هزيمة «داعش» في سوريا.
إن تركيا من دون أردوغان ستظل تشكل تحدياً بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية، لكن أكثر عامل مثير للإزعاج في هذه العلاقة سيختفي. ولا يتعين على الولايات المتحدة التدخل في السياسة التركية، ولكن فقط عليها الإنصات لما يقوله الآن ملايين المواطنين الأتراك، بمن فيهم الحلفاء السابقون لأردوغان. هذه حالة تتماشى فيها قيم أميركا مع مصالحها.
من ناحية أخرى، ذكر حزب المعارضة الرئيسي في تركيا أنه طلب رسمياً إلغاء تفويض أردوغان، لأن نفس المخالفات التي يزعم حزبه «العدالة والتنمية» أنها حدثت في انتخابات بلدية إسطنبول، شابت الانتخابات التشريعية العام الماضي. وقال حزب الشعب الجمهوري إن الأصوات التي تم الإدلاء بها لمسؤولي ومجالس إسطنبول، والتي سُلمت في نفس الأظرف مثل الانتخابات البلدية، يجب إلغاؤها إذا أعيدت الانتخابات البلدية.
وبعد أسابيع من الطعون التي قدمها حزب «العدالة والتنمية» وحلفاؤه في «حزب الحركة القومية»، قضت اللجنة العليا للانتخابات، الاثنين الماضي، بإعادة انتخابات بلدية إسطنبول التي فاز فيها أكرم إمام أوغلو.
*كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»